الاثنين، 26 مارس 2012

31 عام من العزلة

اليوم لن أتحدث عن ماكوندو أو عن خوسيه أركاديو بونديا أو عن زوجتة أرسولا و عن أي شيئ يمت بصلة لرائعة جبريال جارسيا ماركيز "مائة عام من العزلة". بل سأتحدث عن 31 عام مروا علي وطننا الحبيب . وتم عزلنا فيهم عن العالم لم نحصل أي تقدم يذكر على المستوي العلمي ولا على أي مستوي كل ما أنجزناه هو تخلف و جهل ورجوع للوراء. دائما ما ننظر ألي الإختراعات التي تصل ألينا من دول العالم الغربي و نقول كم هم مبدعين طوروا كل شيئ ونحن لسنا مثلهم نحن فقت نري التكنولوجيا من بعيد لا نشارك فيها و لا حتي نجني من ورائها أي مكاسب تذكر دائما في عزلة وضعنا فيها النظام السابق فهل سنخرج منها لننافس العالم أم سننطوي على أنفسنا و نظل منغلقين بهذا الشكل.




مقدمة

يري البعض أننا لسنا بعيدين عن العالم الغربي و نستطيع الوصول إليه بسهولة لو حاولنا فقط. بصراحة أؤيد هذا الرأي ولكن لابد أن نعرف أين نحن بالتحديد منهم أين مكننا أين وصلنا و من أين سنبدأ. هل يمكنك أن تبدأ مشوار ما دون ان تحدد نقطة الإنطلاق!!. بالتأكيد لا يجوز ذالك علينا عمل مقارنة بيننا و بينهم لنحدد ما وصلوا له و ما تأخرنا فيه. و علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا بشكل كبير حتي نتجاوز تلك المرحلة بعد سنوات طويلة من العزلة عن الإختراعات و العلم الحديث.

عصر مبارك

جاء الرئيس المخلوع مبارك بعد حادثة المنصة الشهيرة و إغتيال الرئيس الراحل أنور السادات. و لكن ما لبث أن حكم مصر حتي حجر على عقول أبنائها بشكل مستمر لم ينظر طوال فترة حكمة ألي تطوير أي شيئ في البلد و نظر فقط لحماية وجودة في منصب رئيس الجمهورية. وضع القوانين الصارمة للتعامل مع المعارضة و أشهرها قانون الطوارئ الذي حكم به طوال فترة تواجده في منصب الرئيس و أحكم قبضته على البلاد و تسبب في إغراق البلاد في غيابات اليأس و ظلام الجهل. مما أدي ألي عزل العقول المصرية. و أصبحت معظمها عقول لا تعمل و لا تبتكر فقط لا تفكر إلا في أن تعيش فقط و لو بطريقة غير آدمية!!.


دورة حياة المواطن المصري

سأل شخص أجنبي مواطن مصري. ماهي طموحك. فرد المصري طموحاتي كثيرة أولا أتمني أن اتزوج و أن أعيش في منزل متواضع و ان انجب أولاد و أن أعمل في وظيفة جيدة. فرد علية الأجنبي مندهشا أنا أسألك عن طموحك و أحلامك لا عن أبسط حقوقك ؟؟!!. للأسف كانت هذه هي السياسة السائدة في هذا العصر البائد أعطي الناس أقل القليل من حقوقهم الأساسية بشكل بطيئ و بشكل فيه زل و إهانة حتي يرتضي بها و تصبح أحلامه كلها في مجال المتاح. و بهذا نقتل فيهم الطموح و نقتل فيهم الأمل نسيطر عليهم أكثر و أكثر. اجل تسبب هذا الأسلوب في إدارة البلاد في تحويل المواطن المصري إلي كائن أخر غير بشري. للأسف تتلخص حياته في تعليم سيئ يتخرج منه حاملا لشهادة غير مجدية بعد أن يكون أضاع معظم حياته في مراحل التعليم ليتخرج جاهلا. ثم يبدأ في رحلة أخري من المعاناة.سواء ادي الخدمة العسكرية او لا سيخرج ليلحق بطابور العاطلين. بحث مضني عن عمل و بدون مساعدة أهله لن يجد عملا بمرتب بسيط يحاول و يحاول و يحاول و كأنه "طور في ساقية" حتي يصل إلي عمل أفضل قليلا فيجد نفسة قد أقترب من العقد الرابع من عمرة و يبدأ في البحث عن عروس. بعدها يتزوج و يظل يصارع في وحوش الحياة المصرية " الأسعار و الأمراض المصرية و الخدمات العامة السيئة " و ينجب ابنه و يظل يجهزه ليخوض نفس المصير المظلم!!. ملحوظة هذه القصة قصة المحظوظين فقط بعض الناس ينتهي بهم الأمر أما مدمنين مخدرات أو منتحرين.
عزلة عن التعليم

التعليم في مصر حدث ولا حرج فلا يوجد ما هو أسوء من ذالك نظام يعتمد على المنافسة في حفظ المناهج الدراسية أكثر من إستيعابها و كل هدف الطالب أن يجتاز المراحل التعليمية بأي طريقة ليصل إلي عنق الزجاجة و هي مرحلة الثانوية العامة كما يطلقون عليها و أمامك إختياران أما أن تتحول لدودة كتب أو تفشل لبقية حياتك!. للأسف نظام فاشل مثل هذا في مجتمع محب للتفاخر بأي شيئ حتي ولو بالعلم دفع اولياء الأمور بجنون إلي ما يسمي بالدروس الخصوصية التي أصبحت البديل الوحيد عن المدرسة في القديم كان الطلاب يذهبون إلي المدارس لتلقي العلم أما الأن فهم يذهبون للدروس لتلقي وسيلة إجتياز الإمتحان و بعد أن كان الإمتحان وسيلة للتقييم أصبح هدف و أحراز الكثير من الدرجات أصبح الهاجس المسيطر على معظم المصريين، الذين لديهم أولاد في مراحل التعليم المختلفة حتي لا يشمت فيهم الناس و يستطيعوا أن يتفاخروا بنتائج أبنائهم ، و أوصلنا هذا المثال إلي ما نحن علية الأن طلبة لا يعرفون إلا الحفظ دون الفهم في نظام فاشل أصر علية المخلوع بقوة بالرغم من طلبات الكثير من العقلاء في مصر و خارجها أن التغيير واجب لابد أن يهدم هذا النظام و يعيد بنائه من جديد و أن تلغي المفاهيم الخاطئة الخاصة بالشعب المصري لكن ما أراده النظام البائد هو أن يظل التعليم بهذا الشكل حتي يزيد من أعباء المواطن المغموس في الأعباء أساسا حتي لا يفيق و يعرف ان له حقوقا يجب المطالبة بها.

عزلة إقتصادية

اقتصاد سيئ ناتج من ادارة سيئة. مثلا تسمع مصطلح ديون مصر من قديم الأزل و لا تعي ماهي تلك الديون ومن أستدنها ؟؟! الحقيقة ديون مصر بدأت مع إفتتاح قناة السويس 16 نوفمبر 1869 حيث إستدان الخديوي إسماعيل من الدول الغربية حتي يمول حفل إفتتاح القناة و يجعله أسطوريا!. ولكن طوال تلك السنوات لم تسدد تلك الديون و الطريف أن ديون مصر تضاعفت في عهد المخلوع حتي وصلت ل 1133 مليار جنيه!. لم يقتصر ذالك على الديون فقط و تنوع إنحدار الإقتصاد المصري عن طريق إهدار دوري للمال العام  مثلا مشاريع وهمية و بيع شركات القطاع العام بمبالغ بخسة و بيع مشاريع الدولة للمستثمرين الأجانب بأسعار زهيدة و إعفاء كبار رجال الأعمال من الضرائب. و مشروع تزاوج السلطة برأس المال الذي تم بنجاح في حكومة نظيف مما أنعكس على قرارات الحكومة و أصبحت كلها في مصلحة رجال الأعمال دون النظر للمواطن المصري الذي أشتد فقرة بصورة وتراكمت علية أعباء الحياة الإقتصادية بشكل مبالغ فيه.

عزلة سياسية

في كل دول العالم المتقدم بامكانك أن تنقد أداء الرئيس و ان تكون معارض له و تكفل لك الديموقراطية حرية الرأي و التعبير. و وجود الرئيس مرهون بالأغلبية فأن رأوه صالحا أستمر في حكمه أما أن إقتنعوا بكلام المعارضة انتخبوا غيرة ، و من الممكن ان يكون الجديد من فكر الشخص المعارض لذالك الرئيس. وهذا النظام يطلق علية في بلدان العالم المحترمة التداول السلمي للسلطة الذي سيصب في النهاية في مصلحة المواطن لأن الرئيس سيبذل كل جهده في سيبل إرضاء ناخبيه. أما في مصر فرئيس الجمهورية رمز الدولة و حتي إن كان فاشلا أو يقود البلاد من سيئ إلي أسواء لا يعتبره البعض مدير للبلد كالمدير الفني لفريق مثلا. إذا ساءت النتائج وجب تغيره  و الغريب في الأمر أن هناك من ينظر له نظرة التعصب لفريق مثلا. فسينتخبه حتي لو كانت البلاد على يديه وصلت لقمة الجهل و الفقر و التخلف!. و طبعا مع إنتشار هذا الفكر صنعنا فرعونانا المبارك و أعطيناه السلطة أن يفعل فينا ما يشاء و أن يشوه معارضيه و يضعهم أمام المحاكم العسكرية و يرهبهم حتي لا يفكر أحد يوما من الأيام أن يحلم بغد افضل.

عزلة عن العدالة

لكل مواطن مصري نصيب من الناتج القومي يصله عن طريق خدمات أو تدعيم لبعض السلع و حق الحياة داخل الوطن. لكن في نظام مبارك أنتهي شيئ أسمه العدالة الإجتماعية و غابت عدالة توزيع الثروة في مصر. استطاع نظام مبارك ان يصنع رجال أعمال من بعض المتملقين للنظام و اقاربهم و معارفهم عن طريق مرتبات خيالية يعطيها للصف الأول و الثاني من أداري المؤسسات الحكومية غير تسهيل الفساد لهم عن طريق علاقاتهم المشبوهة و المتغاضي عنها مع رجال الاعمال لتسهيل الصفقات الكبيرة التي تهدر المال العام و تصب في مصلحة رجال الأعمال و مدراء الهيئات الحكومية و مع كل هذا التضخم في الأموال يترك رؤساء الهيئات مناصبهم بعد فترة ليتحولوا لرجال أعمال بعد أن نهبوا أموال الشعب و يتركوا الراية لجيل اخر منهم ايضا. لتبدأ قصة العلاقات المحرمة بينهم من جديد هكذا و هكذا.

صورة تعبيرة عن شكل الرئيس المخلوع لو لم يكن رئيس و مر بمراحل المواطن المصري البسيط
عزلة عن الصحة

هل دخلت مستشفي حكومي من قبل؟؟!!. الحقيقة مستشفيات مصر ليست بمستشفيات بل هي اوكار و مستنقعات تمتلئ بالأوبئة و الأمراض و عدم الرعاية الطبية. يتم سرقة مخازنها بشكل دوري دون ادني عقوبة و مبانيها متهالكة و إمكانيتها ضعيفة. إذا دخلها المريض يعاني من مرض بسيط خرج مها و هو مصاب بشيئ عضال!!. لهذا معظم المصريين يخافون من الذهاب للمستشفي حتي لا يزداد مرضهم و يكتفون ببعض الادوية أو حتي الوصفات المنزلية القديمة. أما المستشفيات الخاصة فهي أحسن قليلا من المستشفيات العامة. و لكن غياب الرقابة عنها و السماح لهم بالإتجار في المواطنين يجعلها آحينا أسوء من الحكومية. من يجدون الرعاية الطبية فقط هم كبار الدولة و رجال الاعمال و الذين برغم من أموالهم الطائلة يتعالجون على نفقة الدولة!!. في الخارج !!.

عزلة ملوثة

تقاس المجتمعات المتحضرة بأنها دائما ما تستفيد من مخلفتها بإعادة تدويرها أما في مصر فالنفايات أصبحت في كل شارع و السبب شركات النظافة الشكلية التي تأخذ من كل مواطن اموال بطريقة جبرية مثلا على فاتورة الكهرباء ، و لا يقمون باداء خدمة في مقابل هذا. و التلوث في عهد مبارك قد وصل لأعلي درجة ممكنة بسبب غياب الرقابة و محاولة المسؤولين الدائمة في التنصل من المسؤولية. مثلا هل تعلم أنه من الأمور الممنوعة في مصر عمل أي دراسة على مياه الشرب. و المعروف عند الناس أن المياه ملوثة!!. ولهذا السبب أصبحت مصر من أكبر دول العالم المصابة بالفشل الكلوي و أمراض أخري كثير كما أدي هذا الإهمال إلي تلوث الهواء و التربة و المناطق الساحلية.


عزلة الصناعة

ما هو الشيئ الذي نقوم بتصنيعه و أن كان هناك اشياء تصنع في مصر فما درجة منافسة تلك الأشياء للسوق العالمي؟. مثلا غسالة تصنع في مصانع مصرية لو وضعت في السوق مع اخري أجنبية كيف تنافسها!. من حيث الجودة جودة منتجتنا منخفضة جدا بالمقارنة مع المنتجات الأخري أيضا السعر في مصر مرتفع جدا لا يتناسب مع أسعار العمالة المنخفضة في مصر و السر في الجمارك الضخمة المفروضة على المنتجات المستوردة و التي دفعت رجال الأعمال من اصحاب المصانع في التحكم في أسعار منتجاتهم كيفما شاؤوا دون النظر إلي جودة أو الي حقوق عمال مصانعهم. أما عن التكنولوجيا فحدث ولا حرج طبعا منتجتنا بعيدة كل البعد عن أي إنتاج متطور يحمل سمات تكنولوجيا حديثة وذالك بسبب إحتكار الأسواق المصرية من قبل قلة منتفعة من رجال الأعمال و محاربة أي صاحب فكر تطويري و إغلاق مصنعة و إفشال مخططه التطوري  حتي لا ينافس حيتان الأسواق في المستقبل.


سر العزلة

السر الأساسي هوه فشل الإدارة و إحساس القائد أن البلد ملكة يفعل بها ما يشاء و يتربح منها كيفما شاء. بل أن الأدهي من ذالك أن مبارك وضع مخطط لتوريث إبنة الحكم . ليستمر بذالك سنوات العزلة. فعل مبارك بالشعب المصري ما فعل بسبب سياسة الخوف من مبارك و أعوانه. و أفضل مكاسب ثورة 25 يناير الحقيقة هو كسر حاجز الخوف عند المصريين الخوف الذي تربي داخلنا منذ نعومة أظفارنا الخوف الذي وضعه و رباه نظام مبارك داخل عقولنا. ليعزلنا به عن العالم الحديث و نظل دائما من دول العالم الثالث. فيضمن بذالك مكنا دائما علي كرسي الحاكم. لآنه ببساطة لو حكم شعب متطور و متقدم لن يظل على الكرسي إلا بضع ساعات فهم ليسوا بهذا الغباء.  

ثورة التغيير

قامت ثورتنا المجيدة لنخرج من ظلمات العزلة للنور و الحرية و لنبني لأنفسنا و لأولادنا مستقبل مشرق فيه عدالة في التوزيع و لنصلح ما أفسده النظام البائد. علينا ان نتذكر أن نتغير من داخلنا إن أردنا أن نغير تلك البلد و أن تصبح مثل ألمانيا التي أستطاع شعبها أن يعيد بنائها مرة أخري بعد الحرب العالمية الثانية التي ألحقت بها الدمار الشنيع وحولتها إلي شبح مدينة بدون بنية تحتية أو اموال أو موارد طبيعية و حتي بدون بشر فقد هلك معظم الألمان في الحرب. ولكنهم بالكثير من العزيمة و الإرادة بنوا أنفسهم من جديد. إذا نظرنا للنموذج الألماني نجد اننا أفضل منهم حلا و لازالت لدينا الفرصة للبناء من جديد.

الخاتمة

مر أكثر من عام علي ثورة الكرامة المصرية و خلع مبارك و حتي هذه اللحظة لم نجني أي من نتائج الثورة بل بالعكس بدأت الثورة تعود إلي الخلف و بدأنا في تحقيق خسارة تلو الأخري من مكتسبات الثورة .إستبدلنا الحزب الحاكم بحزب أخر لا يختلف عنة كثيرا و قريبا سنصنع ديكتاتورا جديدا بعد صناعة دستور مصر القادم و يبدوا أن بلادنا سيطول فيها سنوات العزلة أكثر من ذالك بكثير أتمني أن أكون مخطئا. " الثورة مستمرة"



أحمد محمدي   

يمكنك نقل أي موضوع من المدونة بشرط ذكر المصدر وذكر رابط الموضوع الأصلي.



      # - الساسة و رجال الدين
      # - تحت خط الفقر
      # - أرض النفاق
      # - ثورة أم إنتفاضة أم مجرد حركة أخري
      # - الغباء السياسي
      # - وصمة عار
      # - أسطورة فانديتا

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Share

Ahmed

شركة مسافة لتقنية المعلومات

شركة مسافة لتقنية المعلومات
برامج نقاط البيع و برامج إدارة المنشئات و الشركات