الأربعاء، 21 مارس 2012

نانو NANO


بدأ الأمر معي حينما كنت أتصفح أحد أعداد المجلة الشهيرة نيوزويك Newsweek ، و حينها لفت إنتباهي خبر عن ما يسمي بتقنية الصغائر أو تكنولوجيا النانو  Nanotechnology ، قرأت أنها سوف تكون ثورة في كل المجلات العلمية و ستخلق عالما جديدا. عالم بلا مشاكل!. حيث معدلات تلوث أقل و مياه نقية و علاج موضعي و فعال لعلاج جميع الأمراض المستعصية. و خلق أطراف صناعية ذات مميزات فريدة تتشابه بها بالأطراف و الأعضاء البشرية!. حينما كنت أقرأ المقال كان شغفي يتزايد لأعرف المزيد عن تلك التقنية و لكني سرحت للحظة و تخيلت هل ذهب العالم في إتجاه أبعد عن ما وصل إليه من علم و معرفة، ونحن في بلادنا محلك سر. لا توجد لدينا حتي خطة نحو مستقبل أفضل!!. لقد حدث و سبقنا الغرب بألاف السنوات الضوئية و الأن يبدوا أنهم علي موعد أن يسبقونا بملايين السنوات الضوئية بدلا من بعض الألاف.




تعريف

تعرف تكنولوجيا النانو على أنها علم دراسة التركيبات المتناهية في الصغر و لكن على المستوي الذري !. أي على مستوي حجم الذرات و الجزيئات . لذالك فهو العلم المختص بإبتكار و تطوير أدوات و تقنيات جديدة تقاس أبعدها بوحدة قياس النانو "نانوميتر". علوم النانو أوتقنية النانو إحدى مجالات علوم المواد واتصالات هذه العلوم مع الفيزياء، الهندسة الميكانيكية والهندسة الحيوية والهندسة الكيميائية و التي تشكل تفرعات واختصاصات فرعية متعددة ضمن هذه العلوم وجميعها يتعلق ببحث خواص المادة على هذا المستوى الصغير.


منتهي الصغر

تقاس أبعاد تقنية النانو بالنانومتر وهو جزء من الألف من الميكرومتر أي جزء من المليون من الميليمتر!. أي أن وحدة نانو تساوي واحد علي مليار من المتر. ولك أن تتخيل مدي الصغر الذي تقوم علية هذه التكنولوجيا!. تبلغ سماكة الشعرة الواحدة للإنسان 50 ميكرومترا أي 50,000 نانو متر, وأصغر الأشياء التي يمكن للإنسان رؤيتها بالعين المجردة يبلغ عرضها حوالي 10,000 نانو متر، وعندما تصطف عشر ذرات من الهيدروجين فإن طولها يبلغ نانو مترا واحدا فيا له من شيء دقيق للغاية.

تاريخ نانو

تم توجيه أنظار العالم أول مرة نحو تقنية النانو عن طريق العالم ريتشارد فاينمان Richard Feynman  ألقى فاينمان محاضرة في جامعة كاليفورنيا في عام 1959 بعنوان "هناك حيز كبير في القاع" There's Plenty of Room at the Bottom، يعتبر بعض العلماء المحاضرة بداية الكشف الثوري في تقنية النانو.  في عام 1965، أدلى غوردون مور Gordon Earle Moore، أحد مؤسسي شركة إنتل Intel ، تنبأ بأن على أن عدد الترانزستورات التي يمكن أن يكون لائقا في مجال معين سوف يتضاعف كل 18 شهرا على مدى السنوات العشر المقبلة. وفعلا أصبحت ظاهرة تعرف بما يعرف باسم قانون مور  Moore's law . كما رأي مور أنه من الممكن أن يأتي يوم يستطيع فيه العلم كتابة موسعة كاملة على رأس دبوس أو ربما على مساحة أصغر من ذالك بكثير.

ريتشارد فيمان
سر السيف الدمشقي

هو السلاح السيف الشهير الذي كان يصنع في مدينة دمشق بسورية في القرون الوسطي و بالتحديد في أيام الهجمات و الحروب الصليبية  من المعدن الخاص الذي سمي فيما بعد بالمعدن الأسطوري!.  واشتهر السيف الدمشقي عبر التاريخ بجودة المعدن الذي يصنع منه هذا السيف، وبصلابته التي عرفت واشتهرت في التاريخ وقد سمي المعدن الذي تصنع منه "السيوف الدمشقية" بالمعدن الأسطوري نظرا لصلابته الكبيرة وملمسه الناعم وعرف بحدته ومتانة معدنه وجودة صناعته. والسيف الدمشقي رمز للبطولة عبر العصور وكان قادة الجيوش يطلبونه عن غيره من السيوف وكان له صناعه المهرة في مدينة دمشق، السيوف الدمشقية بشهرتها وتميزها كان لها الوقع الكبير في معارك سطرت صفحات في التاريخ.


أنابيب الكربون النانوية  

طبعا تتسأل ما علاقة هذا السيف  بالنانو!. العلاقة أنه كشفت أبحاث ماريان ريبولد وزملائها في جامعة درسدن الألمانية الغطاء عن سر السيف الدمشقي المشهور بقدرته الكبيرة على القطع ومتانته المذهلة ومرونته الكبيرة، فقد تبين لها أنه مصنوع من مواد مركبة بمقياس النانومتر، فأنابيب الكربون النانوية التي تعتبر من أقوى المواد المعروفة وذات المرونة ومقاومة الشد المرتفعة . تخيل ان أجددنا كعرب عرفوا تطبيقات للنانو قبل إكتشاف التكنولوجيا فأين نحن من هؤلاء!. الحقيقة أن منذ آلاف السنين قصد البشر استخدام تقنية النانو. فعلى سبيل المثال أستخدم في صناعة الصلب والمطاط. كلها تمت اعتمادا على خصائص مجموعات ذرية نانوميترية في تشكيلات عشوائية. ولكها كانت تطبيقات تنتج مواد ذات نتائج مذهلة ولكن دون أن يعرف مطورها أنهم يطورون مواد ذات خصائص نانوية.

خصائص جديدة

الشيئ الجديد في العمل خلال مقياس النانو Nano Scale هو أن معظم الخصائص الأساسية للمواد والآلات كالتوصيل الحرارة أو الكهرباء،  والصلابة ونقطة الانصهار تعتمد على الحجم size dependant  بشكل لا مثيل له في أي مقياس آخر أكبر من النانو، فعلى سبيل المثال السلك أو الموصل النانوي الحجم لا يتبع بالضرورة قانون أوم  Ohm's law الذي تربط معادلته التيار والجهد والمقاومة، فهو يعتمد على مبدأ تدفق الالكترونات في السلك كما تتدفق المياه في النهر ؛ فالإلكترونات لا تستطيع المرور عبر سلك يبلغ عرضه ذرة واحدة بأن تمر عبره إلكترونا بعد الآخر !. إن أخذ مقياس الحجم بالاعتبار بالإضافة إلى المبادئ الأساسية للكيمياء والفيزياء والكهرباء هو المفتاح إلى فهم علم النانو الواسع. ولهذا نقول بإختصار أن خواص المواد تتغير إذا وصلت لمقياس النانو فإذا طبقنا هذه المقاييس على عنصر خامل كالذهب نجد انه عند هذا الحجم ستتغير جميع خصائص المادة كليا بما في ذلك الخصائص الكيميائية ، وسبب هذا التغير يعود إلى طبيعة التفاعلات بين الذرات المكونة لعنصر الذهب، ففي الحجم الكبير من الذهب لا توجد هذه التفاعلات في الغالب, ونستنتج من ذلك أن الذهب ذو الحجم النانوي سيقوم بعمل مغاير عن الذهب ذي الحجم الكبير.

نظرة مستقبلية

يري العلماء أن النانو سيمكنا في المستقبل من رص الذرات كالقرميد - وهو احجار البناء - مما يتيح لنا تصنيع مواد جديدة ذات خواص فريدة من نوعها !. مثلا زجاج لا يلتصق به الأتربة أو ملابس لا يدخل منها الماء ولكن بإمكانها إخراج العرق!  و ايضا بإمكاننا تصنيع سيارة في حجم الحشرة الصغيرة أو طائرة.   كما سيمكنا هذا العلم من تصنيع مركبات فضاء صغيرة جدا تستطيع الدخول إلي جسم الإنسان و عمل جراحات دقيقة جدا أو حتي محاربة الأمراض المستعصية داخل جسم الإنسان. و التي يصعب الوصول إليها بإستخدام المضادات الحيوية العادية. مما قد يبشر البشرية بثورة تكنولوجية و صناعية كبري على الأبواب.  

طب النانو

بدأ العلماء بالفعل في تطوير المعالجات ذات الخصائص النانوية. و تكمن الفكرة التي يقوم عليها الباحثون في هذا المجال على أن يقموا بتطوير مواد تستطيع بسبب حجمها متناهي الصغر في التعرف علي الخلايا الضارة داخل جسم الإنسان و تخصيص العلاج لهذه الخلايا دون باقي أنسجة الجسم من ما قد يقلل في المستقبل من مشكلة الأعراض الجانية في حالة الادوية العادية. مما قد يساعد بشكل فعال في علاج الامراض الخبيثة كالسرطان. وبالتالي يمكنا تخفيف ألام البشرية.


خط بين العلم و الخيال

يري بعض العلماء ان الوصول إلي تلك النتائج يعد ضربا من الخيال. ولكن يري البعض وهم من أصحاب الخيال الأوسع أنه ليس بإمكاننا الوصول إلي تلك النتائج فقط! بل يمكنا الإبحار لما هو أبعد من ذالك. حيث يري هذا الفريق أن الحياة البشرية ستتغير خلال العقود القادمة حيث ستصبح الحياة اسهل بكثير. سنطوف الشوارع بمركبات تطير بسبب خواص المواد الجديدة. سيتطور الطب و سنقضي على أغلب الأمراض المستعصية و ستحل الآلات محل كل الأعمال البشرية. و أنا أري أنة بالإمكان حدوث ذالك لأنه لم يكن أحد عاش في أوائل القرن العشرين أن يتخيل ما وصلنا له اليوم.


مخاوف النانو

مع كل ثورة تكنولوجية تظهر مجموعة من الإنتقادات حتي منذ إكتشاف قوة البخار و منذ الكهرباء. حيث دائما ما تهاجم الأفكار الجديدة و يتهم داعموها بالهرطقة أو بالتحايل على الطبيعة. وذالك شيئ طبيعي فلكل تطور بعض العيوب و لكن هناك نوعية من البشر المحبة للعودة للوراء و التخلف دائما تهاجم ماهو جديد حتي يستمر العالم بنفس الشكل لا يتغير إلي شيئ أخر غير المعهود عندهم. ولكن هناك بعض المخاوف العلمية التي ظهرت على السطح بعد دراسة جدية مثل  في سنة 1997م أظهرت دراسة في جامعة أكسفورد أن نانو جزيئات ثاني أكسيد التيتانيوم الموجودة في المراهم المضادة للشمس أصابت الحمض النووي DNA للجلد بالضرر. كما أظهرت دراسة من مركز جونسون للفضاء والتابع لناسا أن أنابيب الكربون النانوية سامة و خطيرة بشكل كبير!. وتكمن الخطورة بسبب الصغر المتناهي لجزيئات تلك المواد مما قد يتسبب في تسللها عبر الجلد و دخولها جسم الإنسان بسهولة مما قد يعرض البشر لخطر السموم النانوية !.


خاتمة

يتجه العالم كله نحو التطوير و البحث في تلك التكنولوجيا و كل التكنولوجيات الحديثة التي قد تساهم في رفع إقتصاد و قوة تلك البلدان للأمام و تحقيق نهضة عظيمة. فاين نحن من هؤلاء هل بإمكاننا الوصول و المنافسة في تلك العلوم الجديدة أم سنظل للأبد ننظر إليهم على انهم سبقونا بمراحل كبيرة و أنتهي الأمر!. اليوم أمامنا الفرصة بعد رحيل الطاغية عدو التقدم و العلم "المخلوع" ، و سنحت لنا فرصة قد لا تتكرر إلا بعد سنوات طويلة! إما أن نمسك بتلابيب تلك الفرصة و نحاول اللحاق بالركب العالمي أو نظل محلك سر و تكون أكبر قضيانا هي هل تدريس  اللغة الإنجليزية حلال أم حرام!!!!!!!!!!!!!!!!!!!.


أحمد محمدي

يمكنك نقل أي موضوع من المدونة بشرط ذكر المصدر وذكر رابط الموضوع الأصلي.



      # - نحو تقنية Silverlight
      # - نهاية العالم
      # - نظرية المؤامرة
      # - أسطورة فانديتا
      # - هجرات عظمى مع الإعتزار لقناة "نشينوال جيوجرافيك"

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Share

Ahmed

شركة مسافة لتقنية المعلومات

شركة مسافة لتقنية المعلومات
برامج نقاط البيع و برامج إدارة المنشئات و الشركات